أنا لا أعرف متي أنتقل إلي الله، إذا الدنيا اللحظة التي نعشها الآن ، ما ماضي فات ، والمأمل غيب ، ولك الساعة التي أنت فيها ، من أصبح معافا في بدنه ، أمنا في سربه ، عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها ، إذًا فالدنيا هي الفرصة التي أتاحها الخالق لمخلوقاته لتختار طريقها بالفعل ليظهرنا علي نفوسنا ويعرفنا حقيقتها ، وبقدر ما تمتد حياتك يوما بعد يوم ، وبقدر ما تتمزق عن وجهك الأقنعة سوف يظهر ويفتضح أمرك وينتهك سرك ، ولهذا خلق الله الدنيا ليعرف الضعيف ضعفه ، وليعرف القوي قوته ولتفتح الدعاوي الكاذبة ، ويتم العدل باقتناع كل نفس باستحقاقاتها وبعدالة مصيرها النهائي، فالدنيا ثلاث – أمل – وألم – وأجر – :
فعش بالأولي وتحمل الثانية لأجل الثالثة، فمنذ خلق الأنسان والامل يسكن في جسده ولا يفارقه لحظه وينمو معه ، ويمضي بنا العمر ، فمنا من ينتظر فرحا ،ومنا من ينتظر شفاء ، ومنا من ينتظر غائب ، ومنا من ينتظر سعادة ، هكذا تمضي الدنيا في انتظار أشياء لا حصر لها وتزاد مع مرور السنوات ويبقي الامل الساكن في الإنسان ملازمةويكمن في جسده كأنه رفيقه الساكن بين ضلوعه، فمن يقرآ التاريخ لا يدخل اليأس قلبه ،وسوف يري الدنيا أيام يداولها الله بين الناس ، الاغنياء يصبحون فقراء ، والفقراء ينقلبون أغنياء ، وضعفاء الأمس أقوياء اليوم ، وحكام الأمس مشردو اليوم ، والقضاء متهمون ، فالدنيا دواره لا تقف والحوادث لا تكف ، والناس يتبادلون الكراسي ، فلا حزن يستمر ولا فرح يدوم ، وتتبدل الاحوال من حال إلي حال ،وأكثر تجارب العمر قد تولد قاسية ، معظم الاقدار قد تأتي بما لا تشتهيه أنفسنا ، الحياة ليست سهله دوما ولن تتغير لإرضائنا طوال فترة عيشنا ، فما أحد إلا ذاق رجفة من الألم ، حياتنا مثل الورد فيها من الجمال ما يسعدنا ، وفيها من الشوك ما يؤلمنا ، وما كان لك سياتك رغم ضعفك ورغم الحاقدين ، فلا تجزع لحوادث الدنيا ، فالدنيا دار امتحان وابتلاء وألم ، وأنها ممر لا مقر ودار ضيافة مؤقته شرها زائل ، والصابر فيها هو الكاسب والشاكر هو الغالب ، وفيها أوجاع وهموم أشكال وألوان تنصب اليك من القريب والبعيد لا سباب نفسية تكمن في الخلق ، فنحن في دار اختبار والناس يغيرون وجوهم كل يوم بل كل ساعه ، فالدنيا أصعب اختبار ومعظم الناس يرسبون فيها ، لانهم يحاولون تقليد إجابات غيرهم ولا يدركون أن لكل فرد منهم ورقته الخاصة وأسئلته مختلفة عن الآخر ، فالناس يحبون الرجل الصالح ويكرهونه مصلحه ، ويحبون الصالحين ويعادون المصلحين ، والمصلح يصطدم بصخرة أهوائهم ورغباتهم ، فقد أحب أهل مكة سيدنا محمد (ص) قبل البعثة لأنه كان صالحا ، ولكن لما بعثه الله تعالي وصار مصلحا عادوه ! فالله في الماضي كان يوقظ خلقه بالرسول والانبياء واليوم يوقظهم بالكوارث والزلازل والسيول فإن لم تجد معهم تلك النذر شيئا القي بهم إلي الحروب يأكل بعضهم بعض ،إن الشر والفساد له دورة يدور فيها ، ويوزع فيها الأضرار علي كل من يمر بهم ، ولا يزال ينتقل حتي يصل إلي صاحبه فيصيبه ، وهذه الدورة لا تعفي أحدا كلنا في نفس السفينة ، والدنيا ليست كل شيء ولا يمكن أن تكون كل شيء ، وفيها هذه الالام والمظالم ، وإنما لابد أن يكون وراءها عالم أخر ، ترد فيه الحقوق إلي أصحابها ويجد كل ظالم عقابه ، ولو لم تكن هناك أخرة لوجبت أن توجد ، فدنيانا هذه أستولي عليها الغشاشون والمرتشون والكذابون والمنافقون وعلا فيها الاخساء ، نارك وجنتك بين جنبيك ، نارك وجنتك فيما تختار ، وما تتعجل إليه من أقوال وأفعال ، وتبادر إليه من عمل وما تمتد إليه يدك من حلال وحرام ، ولا توجد روشته أو مضاد حيوي للنجاة ، ولا مفر من المعاناة ، ولا مهرب من الدخول في حقول الالغام والسير علي الاشواك ، تألم ما شئت فلا شيء يستحق أن تبكي عليه ، لا فقرك ، ولا فشلك ، ولا تخلفك ، ولا مرضك ، فكل هذا يمكن تداركه ، أما الخطيئة التي تستحق أن تبكها خطيئة البعد عن إلهك فإن ضيعت إلهك فلا شيء سوف يعوضك ،ولا سبيل إلي صعود هذا المعراج إلا بالعبادة والطاعة والعمل الصالح والتزام بالمنهج القرآني .
خلاصة القول : لم يخلق الانسان ليرث الجنة بلا مجهود وانما خلق ليأخذ الجنة غلابا وبعد أثبات الاستحقاق
روائي دكتور / أسعد الهوارى
تعليقات
إرسال تعليق