اعقلها ولا تعزلها وتوكل.. كتبت د / سلوي محمد علي

قرأت كثيرا عن فن المسافات و عن أهميتها في حياتنا .. فعندما تصنع الحدود و المسافة في أي علاقة تمتد و تتعمق و تزيد .. عندما نعطي بعضنا البعض مسافة للتنفس أو للمراجعة أو للإحتياج .. يشجع كل ذلك علي   الإستمرار لا محالة .

عشنا بالأمس القريب العلاقات ذات الروابط القوية عندما كانت البيوت قريبة و النوافذ صريحة .. أما الأن فأصبحت البيوت بعيدة وأغلقت النوافذ بالشاتر و الستائر ذات الطبقات المتدرجة لتصنع جدار عازل من جديد .. وللأسف تم إستغلال مصطلح المسافات بطريقة وحشية ليصبح عازل للعلاقات ومفرق للجماعات ومخرب للإنسانيات التي طالما دربنا قلوبنا عليها .

أين ذهب التلاحم  والرفق و الدفء؟!  .. ذهبوا مع زمن جميل كانت القلوب فيه جميلة شفافة قارئة لإحتياج الآخر بلا كلمات .

كنا بالأمس القريب نتقابل و نتعانق كما لو كنا عشاق من أهل وأصحاب نتجمع ونتسامر و نضحك وأحيانا  كثيرة نبكي .. نبكي الحنين وتذكر الاحباب و لوع الذكريات ،  لكن دائما تجد من يحتويك ويشعر بوجعك ،  ثم  نترك أمسياتنا لنري نور الصباح و يذهب كل منا الي الحياة الصاخبة المليئة بالأنات و الأهات و الأوجاع ، ونلهث وراء لقمة العيش حتي نأتي الي بيوتنا المليئة بالمودة والإحتضان وإلي عشيرتنا وأهلنا لنذوب معهم و فيهم ..ونفرغ جميعا ما بداخلنا لنرتاح ونسعد بأن همومنا يشعر بها الآخرين ،  وتدوم بنا الحياة بحلوها ومرها لأن هناك قلوب تعي أهمية وجودها لمسح أثار  السنين وحثك وإعطاءك و بث القدرة علي التحمل والتزود بجرعات الصبر  واليقين وحسن الظن وسلامة القلب .

أصبحنا نبحث عن الأعذار و الأسباب  لكي نعتزل .. نعتزل الإخوة ونعتزل الصداقة ونعتزل الجيرة تنفيذا لمعتقدات شريرة رسخت يوما بعد يوما أن في الإعتزال كرامة وإستقلال  وغضت البصر عن فضيلة التكامل والتراحم  والتلاحم والإنسانية  التي ميزنا بها الله علي سائر المخلوقات .

 وجب أن نفيق وأن نسترجع إنسانيتنا التي سلبت بالتشبه بأفكار ومعتقدات الغرب التي مسخت حياتنا وشوهتها ، و نوقف خراب الإعتزال ، و نرجع إلي روابطنا و هويتنا و شرقيتنا المختلفة عن كل شعوب الكون .

كاتبة المقال ..مدير موقع وجريدة العدد الاول بمحافظة الجيزة و مدير عام مساعد بقطاع البترول و عضو الاتحاد العربي للعمل الإنساني و التنمية المستدامة التابع لجامعة الدول العربية و سفيرة المناخ.