شيماء محمد تكتب: السيادة لمن يريق الدماء
في أعماق الغابة المظلمة، حيث تتشابك الأشجار وتلفّها الظلال، كان هناك قانونٌ قديمٌ يردده الجميع:
السيادة لمن يريق الدماء
ومن هنا ايها السادة دعونا نستعرض قصة جرت بها العادة ..وهنا نتحدث فقط عن مدلول السيادة..
فإن أردتَ أن تملك الأرض وتُصبح المَلِك.. عليك أن تثبت بأسك. وتفرض سلطتك …بدمٍ يُراق حيث لا مجال للرحمة او للضعفاء ..فمن لا يسكب الدماء لا يملك فرصة للعيش فى الأرض ولا يطمح حتى فى حق الحياة..
وها هى قصة لأسد شاب ..
وصل إلى الغابة يحمل في قلبه حلماً عظيماً …وهو أن يكون المَلِك الهمام من أن يُحكِم السيطرة ويملك الزمام … ويثبت جدارته بين المخلوقات..و أن يعبر بهم بر الأمان …لكنه لم يكن يعلم بعد أن طريق العرش يتطلب أكثر من القوة…بل يتطلب إراقة الدماء.
سمع الأسد عن حكمةٍ قديمةٍ: "من لا يُريق الدماء، لا يُنَال الملك."
فقال في نفسه:إن أردتُ أن أكون ملكًا، عليّ أن أكون قويًّا، لكنني لن أُراق الدماء. سأحكم بحكمتي، لا بجسدى وقوتى ..
فقال له الحكيم: "إن كنتَ تطمح للسيادة.. عليك أن تذهب إلى الساحة المقدسة.. حيث يُختبر فيها كل مَن يطمح للحكم.. حيث يُسفك الدم وتُراق الأرواح
.….
انطلق الأسد في طريقٍ طويل محاط من جميع الجوانب بالنباح .. عبر الأودية وفوق الجبال ..حتى وصل إلى الساحة متأملا فى السلام .. هناك كان في انتظاره وحشٌ ضخم.. ذو أنيابٍ حادة ومخالب ..ترهب من كان قلبه هائب وأمله فى الحياة خائب..
. .
زمجر الوحش قائلا "أنت هنا لتثبت قوتك، فإن أردتَ السيادة، عليك أن تُسفك الدماء، فتلك هي طريق الملوك."
لكن الأسد قال بصوتٍ ثابت: "لن أُراق الدماء.. ولن أقتل من أجل العرش..فدعنا نوفر الجهد والعناء .. السيادة لا تعني القتل بل العدل والرحمة..ولن اقبل بغيرهم ولن توقعنى بالدهاء....
…
نظر الوحش إليه بغضبٍ وتعال وصرخ: "أنت لا تصلح للملك! إن كنت لا تجرؤ على إراقة الدماء، فكيف ستكون مَلِكًا؟"
لكن الأسد ظلَّ ثابتًا في مكانه، وقال: "القوة الحقيقية في العدل، وليس في إراقة الدماء... سأحكم الأرض بالرحمة.. لا بالقسوة ولن اجعل غيرى يتكفل شر العناء..."
وفي تلك اللحظة، تراجع الوحش قليلًا وقال: "رغم ضعفك الظاهر…الا انك لا تهاب المخاطر ..دعنا نرى كيف ستثبت قوة حكمتك ..وربما اقتنعنا وسرنا جميعاً تحت مظلتك..
عاد الأسد إلى الغابة، والجميع في انتظاره... متلهفين ..خائفين من ان يعود الوحش بين براثنه جثة الاسد المسكين.. ولكنه عاد وتعلقت به العيون وظلوا يتساءلون.. هل سيكون هو المَلِك ..
وظل الأسد يردد حكمتة عاليا:السيادة ليست لمن يريق الدماء، بل لمن يحكم بالعدل، ويقود بالرحمة، لا بالقوة والدهاء
لكن حكمته لم ترق للمخلوقات المرعبة، الذين كانوا يهيمنون على الأرض ويعثوا فى الأرض الفساد …وقد رأوا في حكمته ضعفًا وغباء.. وفي رحمة قلبه فشلًا..يستحق ان يحيكوا له المكائد فالخفاء.. فاجتمعوا معًا في الساحة المقدسة.. عازمين على إسقاط حكمته…..
بدأت المخلوقات المرعبة في مهاجمته… وحاصروه من كل جانب… الأسلوب نفسه…. القوة نفسها… وحاول الأسد مقاومة العدوان، وهو يصرخ: "السيادة لا تُنال بالقوة، بل بالعدل!"
لكن المخلوقات لم تُصغِ لكلماته.. فتكوا به… وسفكوا دماءه على الارض …كما سقط حلمه واصبح ذكرى..
مؤكدين ان البقاء ليست لاصحاب الحكمة.
وفي الغابة الكثيفة، بقيت حكمة الدم حية في قلوب الجميع: "السيادة لمن يفرض حكمه بالقوة، لا بالرحمة."
وعرفت المخلوقات أن العرش لا يُؤخذ بالعدل.. بل بالدماء… وأن الأسد الذي رفض إراقة الدماء قد سقط ضحية حكمةٍ لم تُقدَّر.. وسيادةٍ أُهدِرَت
...
وهنا دعونا نتأمل ايها السادة ..فلو أن مخلوقات الغابة قد اجتمعت حول الأسد.. وساندته ربما قد نجح فى اتمام حكمته ..في رفض إراقة الدماء.. لكان بإمكانهم تغيير الحكمة القديمة..وارساء قواعد نبيلة جديدة.. لكان بإمكانهم معًا أن يثبتوا أن القوة لا تكمن في القتل.. بل في الوحد في الرحمة ..
...
لكن، لما لم يتحدوا …فقد سقط الأسد لوحده…وأُهدر حلمه في أرضٍ لا تعرف إلا الدماء.. وساد بها الحكم..بالمكر والدهاء..
...
تعليقات
إرسال تعليق